فصل: تنبيه: (في ذكر بعض الآثار في هذه الآية):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن الحسن أنه وصف بذلك لأنه اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب، وقيل: لأنه ظهر فيه عز المسلمين وذل المشركين فالتفضيل مخصوص بتلك السنة؛ وأما تسمية الحج الموافق يوم عرفة فيه ليوم الجمعة بالأكبر فلم يذكروها وإن كان ثواب ذلك الحج زيادة على غيره كما تقله الجلال السيوطي في بعض رسائله {أَنَّ الله بَرِىء مّنَ المشركين} أي من عهودهم.
وقرأ الحسن والأعرج {إن} بالكسر لما أن الأذان فيه معنى القول، وقيل: يقدر القول، وعلى قراءة الفتح يكون بتقدير حرف جر وهو مطرد في إن وأن، والجار والمجرور جوز أن يكون خبرًا عن أذان وأن يكون متعلقًا به وأن يكون متعلقًا بمحذوف وقع صفة له، وقوله سبحانه: {وَرَسُولُهُ} عطف على المستكن في برئ، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف وأن يكون عطفًا على محل اسم إن لكن على قراءة الكسر، لأن المكسورة لمالم تغير المعنى جاز أن تقدر كالعدم فيعطف على محل ما عملت فيه أي على محل كان له قبل دخولها فانه كان إذ ذاك مبتدأ، ووقع في كلامهم محل أن مع اسمها والأمر فيه هين.
ولم يجيزوا ذلك على المسهور مع المفتوحة لأن لها موضعًا غير الابتداء، وأجاز ابن الحاجب هاهنا العطف على المحل في قراءة الجماعة أيضًا بناء على ما ذكر من أن المفتوحة على قسمين ما يجوز فيه العطف على المحل وما لا يجوز، فإن كان بمعنى إن المكسورة كالتي بعد أفعال القلوب نحو علمت أن زيدًا قائم وعمر وجاز العطف لأنها لاختصاصها بالدخول على الجمل يكون المعنى معها ان زيدًا قائم وعمرو في علمي، ولذا وجب الكسر في علمت إن زيدًا لقائم، وإن لم تكن كذلك لا يجوز نحو أعجبني أن زيدًا كريم وعمرو ويتعين النصب فيه لأنها حينئذ ليست مكسورة ولا في حكمها، ووجه الجواز بناء على هذا أن الاذن بمعنى العلم فيدخل على الجمل أيضًا كعلم.
وقرأ يعقوب برواية روح وزيد {وَرَسُولُهُ} بالنصب وهي قراءة الحسن. وابن أبي اسحق. وعيسى بن عمرو، وعليها فالعطف على اسم ان وهو الظاهر، وجوز أن تكون الواو بمعنى مع ونصب {وَرَسُولُهُ} على أنه مفعول معه أي برئ معه منهم.
وعن الحسن أنه قرأ بالجر على أن الواو للقسم وهو كالقسم بعمره صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه: {لَعَمْرُكَ} [الحجر: 72] وقيل: يجوز كون الجر على الجوار وليس بشيء، وهذه القراءة لعمري موهمة جدًا وهي في غاية الشذوذ الظاهر أنها لم تصح.
يحكى أن إعرابيًا سمع رجلًا يقرؤها فقال: إن كان الله تعالى بريئًا من رسوله فانا منه بريء فلببه الرجل إلى عمر رضي الله تعالى عنه فحكى الاعرابي قراءته فعندها أمر عمر بتعليم العربية، ونقل أن أبا الأسود الدؤلي سمع ذلك فرفع الأمر إلى علي كرم الله تعالى وجهه فكان ذلك سبب وضع النحو والله تعالى أعلم.
وفرق الزمخشري بين معنى الجملة الأولى وهذه الجملة بأن تلك اخبار بثبوت البراءة وهذه اخبار بوجوب الاعلام بما ثبت، وفي الكشف أن هذا على تقدير رفعهما بالخبرية ظاهر إلا أن في قوله اخبار بوجوب الاعلام تجوزًا وأراد أن يبين أن المقصود ليس الاخبار بالاعلام بل أعلم سبحانه أنه بريء ليعلموا الناس به، وعلى التقدير الثاني وجهه أن المعنى في الجملة الأولى البراءة الكائنة من الله تعالى حاصلة منتهية إلى المعاهدين من المشركين فهو إخبار بثبوت البراءة كما تقول في زيد موجود مثلا: إنه إخبار بثبوت زيد، وفي الثانية إعلام المخاطبين الكائن من الله تعالى بتلك البراءة ثابت واصل إلى الناس فهو إخبار بثبوت الاعلام الخاص صريحًا ووجوب أن يعلم المخاطبون الناس ضمنا، ولما كان المقصود هو المعنى المضمن ذكر أنها إخبار بوجوب الاعلام، وزعم بعضهم لدفع التكرار أن البراءة الأولى لنقض العهد والبراءة الثانية لقطع الموالاة والاحسان وليس بذلك {فَإِن تُبْتُمْ} من الكفر والغدر بنقض العهد {فَهُوَ} أي التوب {خَيْرٌ لَّكُمْ} في الدارين والالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزيادة التهديد والتشديد، والفاء الأولى لترتيب مقدم الشرطية على الاذان المذيل بالوعيد الشديد المؤذن بلين عريكتهم وانكسار شدة شكيمتهم {وَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عن التوبة أو ثبتم على التولي عن الإسلام والوفاء {فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى الله} غير سابقيه سبحانه ولا فائتيه {وَبَشّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي في الآخرة على ما هو الظاهر.
ومن هنا قيد بعضهم غير معجزي الله بقوله في الدنيا، والتعبير بالبشارة للتهكم، وصرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: لأن البشارة إنما تليق بمن يقف على الاسرار الالهية، وقد يقال: لا يبعد كون الخطاب لكل من له حظ فيه وفيه من المبالغة ما لا يخفى. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}.
الأذان بمعنى الإيذان، وهو الإعلام، كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء.
وارتفاعه كارتفاع: {براءة} وهذه الجملة معطوفة على مثلها، والفرق بين معنى الجملة الأولى والثانية أن تلك إخبار بثبوت البراءة، وهذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت، وإنما عُلقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين، وعلق الأذان بالناس، لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم، وأما الأذان فعامّ لجميع الناس، من عاهد ومن لم يعاهد، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث كذا في الكشاف.
ويوم الحج الأكبر: قيل يوم عرفة، وقيل يوم النحر.
قال ابن القيم: وهو الصواب، لأنه ثبت في الصحيحين أن أبا بكر وعليًا رضي الله عنهما، أذّنًا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة.
وفي سنن أبي داود بأصح إسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم الحج الأكبر يوم النحر، وكذلك قال أبو هريرة وجماعة من الصحابة.
ويوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه، فإن فيه يكون الوقوف والتضرع والتوبة والإبتهال والإستقامة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة، ولهذا سمي طوافه طواف الزيارة، لأنه قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أذن لهم يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته، ولهذا كان فيه ذبح القرابين، وحلق الرءوس، ورمي الجمار ومعظم أفعال الحج وعمل يوم عرفة، كالطهور والإغتسال بين يدي هذه اليوم، انتهى.

.تنبيه: [في ذكر بعض الآثار في هذه الآية]:

روى الأئمة هاهنا آثارًا كثيرة، نأتي منها على جوامعها:
قال ابن أبي نَجِيْح عن مجاهد: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ، فأراد الحج ثم قال: «إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة فلا أحب أن أحج»، حتى لا يكون ذلك: فأرسل أبا بكر وعليًا فطافا بالناس في ذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها، وبالمواسم كلها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمنوا أربعة أشهر، فهي الأشهر المتواليات، عشرون من ذي الحجة، إلى عشر يخلون من ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلهم بالقتال، إلى أن يؤمنوا.
وروى ابن إسحاق بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه قال: لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج، قيل له: يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: «لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي»، ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال له: «اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته».
فخرج علي بن أبي طالب على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء، حتى أدرك أبا بكر الصديق، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال: أمير أو مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم مضيا، فأقام أبو بكر للناس الحج، والعرب إذا ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية، حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته».
وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذّن فيهم، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة، إلا أحدٌ كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة، فهو له إلى مدته، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان.
ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فكان هذا من أمر براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العامّ، وأهل المدة إلى الأجل المسمى.
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: بعثني أبوبكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذّنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: «ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان».
قال حميد: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، فأمره أن يؤذن ببراءة.
قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة، وألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وفي رواية أخرى للبخاري، قال أبو هريرة: بعثني أبو بكر فيمن يؤذّن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس- للعمرة- الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حجّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك. هذا لفظ البخاري في كتاب الجهاد.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فقال: ما كنتم تنادون؟ قال: كنا ننادي: «أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أجله- أو أمدهُ- إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك». قال: فكنت أنادي حتى صَحِل صوتي، صحل الرجلُ وصحل صوتُهُ: بَحَّ.
وقوله تعالى: {فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} أي: فإن تبتم أيها المشركون، من كفركم ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، فهو خير لكم من الإقامة على الشرك رأس الضلال والفساد {وَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي: عن الإيمان وأبيتم إلا الإقامة على ضلالكم وشرككم {فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ} أي: غير فائتين أخذه وعقابه {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: جحدوا نبوّتك وخالفوا أمر ربهم {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي: موجع يحل بهم.
وفيه من التهكم والتهديد ما فيه، كيلا يظن أن عذاب الدنيا، لو فات وزال خلصوا من العذاب، بل العذاب مُعَدٌّ لهم يوم القيامة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الاكبر أَنَّ الله برىء مِّنَ المشركين وَرَسُولُهُ}.
عطف على جملة {براءة من الله ورسوله} [التوبة: 1] وموقع لفظ {أذان} كموقع لفظ {براءة} [التوبة: 1] في التقدير، وهذا إعلام للمشركين الذين لهم عهد بأنّ عهدهم انتقض.
والأذانُ اسم مصدر آذنه، إذا أعلمه بإعلان، مثل العطاء بمعنى الإعطاء، والأمان بمعنى الإيمان، فهو بمعنى الإيذان.
وإضافة الأذان إلى الله ورسوله دُون المسلمين، لأنّه تشريع وحكم في مصالح الأمّة، فلا يكون إلاّ من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة، لئلا يكونوا غادرين، كما قال تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} [الأنفال: 58].
والمراد بالناس جميع الناس من مؤمنين ومشركين لأن العلم بهذا النداء يَهُمّ الناس كلّهم.
ويوم الحجّ الأكبر: قيل هو يوم عرفة، لأنّه يوم مجتمع الناس في صعيد واحد، وهذا يروى عن عمر، وعثمان، وابن عباس، وطاووس، ومجاهد، وابن سيرين.
وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وفي الحديث: «الحج عرفة».
وقيل: هو يوم النحر، لأنّ الناس كانوا في يوم موقف عرفة مفترقين إذْ كانت الحُمْس يقفون بالمزدلفة، ويقف بقية الناس بعرفة، وكانوا جميعًا يحضرون منى يوم النحرِ، فكان ذلك الاجتماع الأكبرَ، ونسَب ابنُ عطية هذا التعليل إلى منذر بن سعيد، وهذا قول علي، وابن عمر، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، وابن عباس أيضًا، وابن أبي أوفى، والزهري، ورواه ابن وهب عن مالك، قال مالك: لا نشك أن يوم الحج الأكبر يوم النحر لأنّه اليوم الذي تُرمى فيه الجمرة، وينحر فيه الهدي، وينقضي فيه الحج، من أدرك ليلة النحر فوقف بعرفة قبل الفجر أدرَك الحج.